رب ضارة للإسلام تجلب إليه محبين ومسلمين جددا.. قول تؤكده تجارب عديدة من بينها تجربة العقيد البريطاني ريتشارد فيرلي الذي دفعته كتابات الكاتب الهندي سلمان رشدي المسيئة للإسلام إلي اعتناق الإسلام ثم إنشاء رابطة للشرطيين المسلمين نجحت في الفوز بمكاسب عديدة، ليس فقط لهم، بل أيضا للمساجين المسلمين.
وفي حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية عاد كبير مفتشي فرقة مكافحة الإرهاب البريطانية بذاكرته إلي يوم 19 أغسطس
1993، اليوم الذي سطر "التاريخ الفاصل في حياتي.. وعرفت فيه طعم الإيمان وصفاء النفس"؛ لأنه أول يوم يصبح فيه مسلما.
وعن دافعه إلي اعتناق الإسلام قال: "بعد صدور كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي 'المتهم بأنه أساء فيه للرسول الكريم' اضطررت أن أقرأ -كجزء من مهام عملي- في القرآن الكريم لأفهم أسباب الهجوم عليه وخروج المسلمين في مظاهرات ضده"، خاصة أن رشدي لجأ إلي بريطانيا لحمايته من فتوي إيرانية بإهدار دمه.
"وخلال قراءتي صادفتني 3 آيات من القرآن كان لا يمكن أن تمر عليَّ مرور الكرام.. فأنا درست علم الجيولوجيا في جامعة إكستر البريطانية، وأهوي التعمق في العلوم، وهذه الآيات الثلاث التي تتحدث عن حقائق علمية لم تكن معروفة أبدا وقت نزول القرآن، ولم يكن لها تفسير إلا أن وراءها قدرة إلهية لا شك".
والآيات الثلاث التي يقصدها فيرلي هي: "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" 'الذاريات'، "أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا" 'الأنبياء'، "أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا" 'النبأ'.
وأضاف: "هذه الآيات التي تتحدث بعمق عن الانفجار العظيم وتمدد الكون ومهمة الجبال في الحفاظ علي الكرة الأرضية قلبت حياتي رأسا علي عقب، وفتحت قلبي للهداية والنور.. فلا يمكن لأي كتاب بشري أن يكشف هذه الحقائق قبل 1400 عام، وقادني هذا إلي التعمق في قراءة جزء كامل من القرآن كل ليلة، وطوال رحلتي معه تدفقت اكتشافات مماثلة علي عقلي وروحي".
واستمرت مسيرة الضابط البريطاني في استكشاف القرآن عامين قبل أن ينطق بالشهادة، تردد خلالهما علي المركز الإسلامي في منطقة "ريجنت بارك" بوسط لندن، للسؤال عما يجهله أو يصعب عليه فهمه، حتي اقتنع عقله واطمئن قلبه ونطق لسانه بالشهادتين أمام عدد من مشايخ المسجد المركزي ويوسف إسلام، الداعية المسلم حاليا ومطرب البوب المسيحي سابقا.
أنوار إسلام فيرلي سطعت علي زملائه الضباط والمساجين من المسلمين
اعتناق ريتشارد فيرلي للإسلام ومحبته له دفعاه إلي أن يقدم ما يقدر عليه من خدمات لزملائه المسلمين في الشرطة البريطانية، فأسس في عام 2000 رابطة للشرطيين المسلمين بعد أن تلفت حوله في شرطة ميتروبوليتان بلندن ولم يجد إلا رابطة للشرطيين المسيحيين، وأخري للشرطيين السيخ، رغم وجود العشرات من الضباط المسلمين يصل عددهم حاليا إلي نحو 2000 شرطي، منهم 400 في شرطة ميتروبوليتان وحدها.
وأوضح فيرلي قائلا: "فكرت في إنشاء الرابطة لأنني وجدت أن الشرطيين المسلمين لا يتلقون الدعم الذي يساوي ما يتلقاه زملاؤهم من ديانات أخري؛ فقررت أنا وزميل لي اسمه محمد معروف من أصول باكستانية أن ننشئ الرابطة، فظهرت للنور في عام 2000 وأنا رئيسها ومعروف سكرتيرها، وأطلقنا لها موقعا علي الإنترنت لتتمكن من توصيل صوتها إلي أصحاب القرار في وزارة الداخلية والحكومة البريطانية".
وبالفعل أثمرت هذه الجهود: "لقد سمحوا للشرطيات المسلمات بارتداء الحجاب الإسلامي بعد تجارب كثيرة لاختيار حجاب عملي لا يعوق عملهن، وتم تخصيص أماكن للصلاة، وسمحت إدارة الشرطة لنا بتناول وجبة الإفطار في رمضان في وقتها المحدد، وتأدية صلاة العيد، واحتساب يوم العيد إجازة رسمية".
كما لفت الضابط البريطاني المسلم إلي أن زيادة عدد الضباط المسلمين في دوائر الشرطة البريطانية، وتنظيمهم في كيان الرابطة، التي يرأسها حاليا زهير أحمد، انعكس علي المساجين المسلمين أيضا: "فإذا ما جاء إلينا مسجونون مسلمون فإننا نتعامل معهم بطريقة مدنية للغاية، نتأكد من وجود سجادة للصلاة ونسخة من القرآن لمن يطلبهما، وكذلك نحرص علي أشياء أخري خاصة بالعقيدة، مثل تقديم الطعام الحلال لهم.. وهذه الأشياء تميزنا في الوقت الراهن ولم تكن موجودة قبل 10 سنوات".
ولم يعتنق أحد من أسرة ريتشارد فيرلي الإسلام حتي الآن، إلا أنه يقول إنه يعيش في أسرة مسيحية "متفاهمة" فيما بينها، لم تعترض علي تحوله إلي الإسلام، باستثناء والدته المسيحية الملتزمة التي عارضته في البداية.
وزوجة فيرلي مدرسة، ولديه ولدان يبلغان 19 و21 عاما من العمر يدرسان الفيزياء والهندسة الميكانيكية في جامعتي أكسفورد وساري.
واللافت أن ريتشارد فيرلي رفض اختيار اسم عربي بدلا من اسمه البريطاني كما يفعل كثير من المسلمين الجدد: "في مسجد لندن المركزي كان الكثيرون يطلق عليَّ اسم راشد لأنه يشبه إلي حد ما اسم ريتشارد، وكان الأمر مضحكا إلي حد