محمدجمال Admin
عدد المساهمات : 595 تاريخ التسجيل : 06/08/2009 العمر : 36
| موضوع: عبد الله بن المبارك 05.05.10 22:36 | |
| مدينة (مرو) سنة 118هـ ولد (عبد الله بن المبارك) ونشأ بين العلماء نشأة |
صالحة، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم اللغة العربية، وحفظ أحاديث كثيرة من |
أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودرس الفقه، وأنعم الله عليه |
بذاكرة قوية منذ صغره، فقد كان سريع الحفظ، لا ينسى ما يحفظه أبدًا، يحكي |
أحد أقربائه واسمه (صخر بن المبارك) عن ذلك فيقول: كنا غلمانًا في الكتاب، |
فمررت أنا وابن المبارك ورجل يخطب، فأطال خطبته، فلما انتهى قال لي ابن |
المبارك: قد حفظتها، فسمعه رجل من القوم، فقال: هاتها، أسمعنا إن كنت |
حفظتها كما تدَّعي، فأعادها عليه |
ابن المبارك وقد حفظها ولم يخطئ في لفظ منها. |
وفي الثالثة والعشرين من عمره رحل عبد الله إلى بلاد الإسلام الواسعة |
طلبًا للعلم، فسافر إلى العراق والحجاز.. وغيرهما، والتقى بعدد كبير من |
علماء عصره فأخذ عنهم الحديث والفقه، فالتقى بالإمام مالك بن أنس، وسفيان |
الثوري، وأبي حنيفة النعمان، وكان عبد الله كلما ازداد علمًا، ازداد خوفًا |
من الله وزهدًا في الدنيا، وكان إذا قرأ كتابًا من كتب الوعظ يذكره |
بالآخرة وبالجنة والنار، وبالوقوف بين يدي الله للحساب، بكى بكاء شديدًا، |
واقشعر جسمه، وارتعدت فرائصه، ولا يكاد يتكلم أحد معه. |
وكان عبد الله يكسب من تجارته مالا كثيرًا، وها هو ذا يعطينا درسًا بليغًا |
في السلوك الصحيح للمسلم، وذلك حين أتاه أحد أصدقائه واسمه (أبو علي) وهو |
يظن أن الزهد والتجارة لا يجتمعان قائلاً لعبد الله: أنت تأمرنا بالزهد، |
ونراك تأتي بالبضائع من بلاد (خراسان) إلى (البلد الحرام) كيف ذا ؟! فقال |
له عبد الله بن المبارك: يا أبا علي، إنما أفعل ذا لأصون وجهي، وأُكْرِم |
عرضي، وأستعين به على طاعة ربي، لا أرى لله حقًّا إلا سارعت إليه حتى أقوم |
به، وكان عبد الله بن المبارك لا يبخل على أحد بماله، بل كان كريمًا |
سخيًّا، ينفق على الفقراء والمساكين في كل سنة مائة ألف درهم. |
وكان ينفق على طلاب العلم بسخاء وجود، حتى عوتب في ذلك فقال: إني أعرف |
مكان قوم لهم فضل وصدق، طلبوا الحديث، فأحسنوا طلبه لحاجة الناس إليهم، |
احتاجوا فإن تركناهم ضاع علمهم، وإن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد -صلى |
الله عليه وسلم- لا أعلم بعد النبوة أفضل من بثِّ العلم. |
وكان ابن المبارك يحبُّ مكة، ويكثر من الخروج إليها للحج والزيارة، وكان كلما خرج من مكة قال: |
بُغْضُ الحياةِ وخوْفُ اللَّهِ أخرجنَـِـي |
وَبيعُ نَفْسي بما لَيسَتْ لَهُ ثمَنَـــــا |
إنــي وزنْتُ الَّذي يبْقَـــي لِيعْدلَــه |
ما ليس يبْقي فَلا واللَّهِ مـا اتَّزَنَـــا |
وكان عبد الله بن المبارك يجاهد في سبيل الله بسيفه، حتى إن كثيرًا ممن |
أتوا ليستمعوا إلى علمه، كانوا يذهبون إليه فيجدونه في الغزو، وكان يرى أن |
الجهاد فريضة يجب أن يؤديها المسلمون كما أداها الرسول -صلى الله عليه |
وسلم- ويروى عنه أنه أرسل إلى صاحبه الفضيل بن عياض يحثُّه على قتال |
الأعداء، ويدعوه إلى ترك البكاء عند البيت الحرام قائلاً له: |
يــا عابِدَ الحرَميْن لـو أبْصَــرْتَنا |
لَــعلِمْتَ أنَّكَ في العبَادةِ تَلْعَبُ |
من كان يَخْضِبُ خـدَّه بدُمُـــوعِه |
فنحوُرنـــا بدمائِنا تتخضَّب |
أوْ كــان يُتْعب خيلَه فــي باطل |
فخيولُنا يوم الصبيحــة تَتْعبُ |
ريح العبير لكـم، ونحن عبيرُنا |
رَهَجُ السَّنَابك والغبارُ الأطيبُ |
وأحبَّ عبد الله بن المبارك أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-حبًّا |
عظيمًا وكان لا يجيب أحدًا يسأله عن حديث منها وهو يمشي، ويقول للسائل: |
(ليس هذا من توقير العلم) وكان حفَّاظ الحديث في الكوفة إذا اختلفوا حول |
مروا بنا إلى هذا الطبيب نسأله (يقصدون عبد الله بن المبارك). |
ولقد اجتمع نفر من أصحابه يومًا وقالوا: تعالوا نعد خصال ابن المبارك من |
أبواب الخير، فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والشعر، |
والفصاحة والزهد، والورع، والإنصاف، وقيام الليل، والعبادة، والفروسية، |
والشجاعة، والشدة في بدنه، وترك الكلام في ما لا يعنيه.. حتى أجهدهم |
ولقد قدر الناس عبد الله بن المبارك وزادت مهابته لديهم على مهابة هارون |
الرشيد.. رُوي أن هارون الرشيد قدم ذات يوم إلى (الرقَّة) فوجد الناس |
يجرون خلف عبد الله بن المبارك لينظروا إليه، ويسلموا عليه، فنظرت زوجة |
هارون الرشيد من شباك قصرها، فلما رأت الناس قالت: ما هذا ؟! قالوا: عالم |
من خراسان قدم (الرقَّة) يقال له (عبد الله بن المبارك) فقالت: هذا والله |
الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بالشرطة والأعوان. |
وفي يوم من أيام شهر رمضان سنة 181هـ توفي عبد الله بن المبارك وهو راجع |
من الغزو، وكان عمره ثلاثة وستين عامًا، ويقال: إن الرشيد لما بلغه موت |
عبدالله، قال: مات اليوم سيد العلماء |
| |
|