تأملات فى أيات من سورة الصافات
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ {35} وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ {36} بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ {37} إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ {38} وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
بالتأمل فى تلك الأيات الكريمات , نرى أن الله سبحانه تعالى يسجل موقفاً مستمر الحدوث منذ أزمنة الرسل حتى الأن ثم يكشف لنا عن حدثا غيبيا مستقبليا جلل , يخبرنا عن أؤلائك الذين ينكرون الخالق عندما يقال لهم كلمة التوحيد ..
لا إله إلا الله , و هذه إشارة إلى الدعوة إلى الله سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة , المهم أنها دعوة إلى الإعتراف بالوحدانية لله ,, فرد الفعل المعروف هو إنكارهم لتلك الدعوة , بكل عناصرها ( الخالق , الداعي ) فينكرون الإعتراف بالله جملة و تفصيلا , و لان الله هو الخبير بمن خلق فأتت الأية الكريمة الإعجازية توضح لنا فى جملة واحدة كيف ينكرون الله (( وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا )) و هنا تجد كل حالات الشرك و الكفر فى وصف واحد , أنهم لن يتكركوا ألهتهم , فها هو النصراني يعبد المسيح و ها هو اليهودي يعبد المال و ها هو البوذي يعبد بوذي و ها هو الملحد الذي يعبد الطبيعة و ها هو اللاأدري الذى يعبد هواه فليس له حاجة فى معرفة من خلقه
ثم تكملة الأية (( لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ )) و هنا يدخل المنكر للحق مدخل شيطاني , فإذا أردت أن تقلع الشجرة فعليك بضرب جذرها , و لنا فى جييرت فيلدرز و من يتبعهم و من يتبعونه عبرة , فكي تنهي على الدعوة عليك بإتهام الداعي فى عقله و هذا و الحمد لله مردود عليهم .
و الله عز و جل يرد عليهم ((بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ)) و هذا رد من جملة ردود كثيرة على تلك الإفترائات , و فى هذا يشير الله سبحانه تعالى إلى عدم التضارب بين الرسالات القديمة و أخر الرسل و أن هذا دليل كاف على أنها الرسائلة المنتظرة و الأخيرة و الحق .
أما الحدث المستقبلي النهائى هو نتيجة هؤلاء المكذبين ,
((إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ))
و هنا لنا و قفة كبيرة
هؤلاء البشر يملكون طاقة كبيرة من الجدال لا حصر لها , و كل فرقة منهم لها فلسفتها الخاصة فى هذا الجدل , فمنهم اهل الكتاب الذين خصهم الله بمعاملة اخص من الأخرين , (و لكل معاملة عادلة فى الإسلام ) فهم يؤمنون بالله رباً ولكن المشكل هو الإعتقاد الباطل بان الله هو المسيح أو أن المسيح هو الله متجسد , او أنه إبن الله … و هذا ما يعتبره المسلمين إهانة لأن الله صاحب الحق هو من اخبر بذلك , و إذا كان لله ولد فنحن أول العابدين ( حاش لله ) و منهم من يقتلون الأنبياء بغير حق و يفسدون فى الأرض , و منهم من ليسوا على شيء من الأصل كالملاحدة و اللاأدري و الطبيعيين أو عباد الطبيعة …
وأصل رفضهم للحق هو حاجتهم بغير حق فى العيش بدون قيود و لا ضوابط إلهية , فالحياة أفضل بدون قيود , فيريدون بلورة القيود و تفسير الحق و الأخلاق على هواهم (( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ} (71) سورة المؤمنون )) و هذا واضح فى الأحداث المتلاحقة المستمرة فى العالم تلك الأيام حتى أصبح الفساد عادة , فترى الزنى تحول إلى حرية شخصية وترى الزواج المثلي مباح هنا وهناك و الكثير من الفساد تفشى بسبب خضوع الناس لأهوائهم ,,
فالخلاصة العبودية فطرة فطر الله الناس عليها , فإذا لم تعبد الله عبدت نفسك أو الشيطان أو الطبيعة و كلهم واحد … الهوى
نأتي إلى اخر جزء من الأية (( وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )) و قد تستوقف تلك الأية بعض المجادلين بغير حق , فيهرعون إلى موضوع جدلي … قائلين "" الله ذكر فى كتابه أنه سيعذبنا هذا معناه أنه يريد عذابنا غصباً .. إذا نحن مخيرين و لسنا مسيرين !! فها هو يحكم علينا بالإعدام ونحن لم نرتكب أي خطأ بإرادتنا !!
و لكن , إذا نظرت إلى الأمر بمجمله لوجدت أن الله عز وجل بعلمه الأزلي يعلم أن هناك من الناس من لن يستجيب لدعوته أبدا وأن نهايته ستكون الجحيم , إما عن طريق الفلسفة الباطلة مثل إبليس , أو عن طريق إتباع الهوى أو الشهوات أو الشبهات , و فى اخر الزمان يهجم علينا كل هذا كما نرى , فإن الأمر هو مجرد تسجيل لما يحدث و سيحدث من اجل التذكرة
فهذا دليل على أن هذا الكتاب من عند الله تعالى , فهناك الكثير من الناس لم يؤمن وهم بذاتهم دليل على صدق الأيات الكريمات , و دليل على أننا مخيرين و لسنا مسيرين ,, إن الله يتدخل بالإرشاد و الترغيب و الترهيب و يترك للإنسان الإختيار في حدود الإختيار و في حدود الإمتحان , فالحرية شرط الإختبار و الإختيار هو أساس تلك الحياة
(( {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (3) سورة الإنسان ))
فها هو الله عز وجل يخبرنا فى مواطن كثيرة فى القرأن الكريم أنه يبتلي الإنسان بالخير والشر , يبعث له الرسل والأيات والرسالات حتى الممات , فهنا ينتهى الوقت المحدد للإمتحان , و لن يلوم إلا نفسه … و الله تعالى أعلم .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل خير , وأن يعيننا على القيام بأبواب الإحسان , وأن يهدينا سواء السبيل , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .